الإجهاض المتعمد: الأسباب والتأثيرات

الإجهاض المتعمد: الجوانب الطبية، القانونية، النفسية والاجتماعية

يُعد الإجهاض المتعمد أو المفتعل من أكثر القضايا الطبية والاجتماعية والدينية إثارة للجدل في مختلف المجتمعات الإنسانية. يُقصد به إنهاء الحمل بشكل إرادي قبل أن يبلغ الجنين مرحلة القدرة على الحياة خارج الرحم، والتي تُقدّر غالبًا عند الأسبوع 24 من الحمل. تختلف مواقف الدول والأنظمة الصحية والدينية من هذه الممارسة، ويختلف معها أيضًا الموقف الأخلاقي والفلسفي للأفراد. يستعرض هذا المقال الجوانب المتعددة للإجهاض المتعمد، بما في ذلك التعريف الطبي، الأسباب والدوافع، الإجراءات والآثار الجانبية، الموقف القانوني والديني، وأثره على الصحة النفسية والاجتماعية للمرأة.

المفهوم الطبي للإجهاض المتعمد

الإجهاض المتعمد هو تدخل طبي يتم فيه إنهاء الحمل باستخدام أساليب دوائية أو جراحية. وهو يختلف عن الإجهاض التلقائي أو العفوي الذي يحدث نتيجة أسباب طبية خارجة عن إرادة المرأة. تنقسم طرق الإجهاض إلى:

• إجهاض دوائي: يتم فيه تناول أدوية تعمل على إيقاف نمو الجنين وتحفيز الرحم لطرده، وغالبًا ما يُستخدم في الأسابيع الأولى من الحمل (حتى الأسبوع 10).

• إجهاض جراحي: يشمل إجراءات مثل الشفط أو التوسيع والكحت (D&C)، وتُجرى عادة في مراحل الحمل المتقدمة.

دوافع وأسباب الإجهاض المتعمد

قد تلجأ المرأة إلى الإجهاض المتعمد لأسباب متعددة تتداخل فيها الجوانب الصحية، النفسية، الاقتصادية والاجتماعية. من أبرز هذه الأسباب:

• أسباب صحية: كإصابة الأم بأمراض مزمنة أو سرطانات تهدد حياتها أو حياة الجنين، أو اكتشاف تشوهات جنينية خطيرة.

• أسباب اجتماعية أو اقتصادية: مثل الفقر، أو عدم الاستعداد النفسي أو المالي لتربية طفل.

• نتائج حمل غير مرغوب فيه: نتيجة اغتصاب أو علاقات غير شرعية، أو فشل وسائل منع الحمل.

• أسباب نفسية: تتعلق بالخوف من الأمومة أو الاكتئاب السابق أو الاضطرابات النفسية التي قد تتفاقم مع الحمل.

الجوانب القانونية

تتباين القوانين المتعلقة بالإجهاض من دولة إلى أخرى:

في الدول التي تسمح بالإجهاض، تخضع العملية لضوابط صارمة، مثل تحديد عدد أسابيع الحمل، إلزامية الإرشاد الطبي، وفترات انتظار إجباريّة.

الموقف الديني

من منظور إسلامي، يُعتبر الإجهاض فعلًا محرمًا إلا في حالات استثنائية. تختلف آراء الفقهاء حسب زمن الإجهاض وظروفه:

• قبل نفخ الروح (120 يومًا تقريبًا): بعض العلماء يُجيزون الإجهاض لأسباب قوية مثل خطر على حياة الأم أو تشوهات جسيمة.

• بعد نفخ الروح: يُعد قتلًا للنفس ولا يُسمح به إلا في حالات تهدد حياة الأم حصريًا.

المسيحية، خاصة الكاثوليكية، ترفض الإجهاض تمامًا وتعتبره جريمة قتل منذ لحظة التخصيب. أما الطوائف البروتستانتية فقد تتبنى مواقف أكثر مرونة.

الأبعاد النفسية للإجهاض

تشير العديد من الدراسات إلى أن الإجهاض المتعمد قد يترك آثارًا نفسية عميقة على المرأة. وتختلف حدة هذه الآثار باختلاف الأسباب، والدعم الاجتماعي، والثقافة المجتمعية. من أبرز الآثار النفسية:

• الشعور بالذنب: خاصة في البيئات الدينية أو المحافظة.

• اكتئاب ما بعد الإجهاض: قد يظهر بعد فترة وجيزة من العملية أو لاحقًا.

• اضطرابات القلق: مثل نوبات الهلع أو اضطراب ما بعد الصدمة.

• تأثير على العلاقة الزوجية: قد يؤدي الإجهاض إلى توترات عاطفية أو جنسية بين الشريكين.

رغم ذلك، فإن بعض النساء يعبّرن عن شعور بالراحة أو التحرر، خصوصًا إذا كان الحمل غير مرغوب فيه أو ناتج عن ظروف قاسية.

المضاعفات الصحية

مثل أي تدخل طبي، قد يحمل الإجهاض المتعمد بعض المخاطر الصحية، منها:

• النزيف الحاد: خصوصًا في الحالات الجراحية.

• العدوى البكتيرية: نتيجة تعقيم غير كاف أو بقايا جنينية في الرحم.

• التمزق الرحمي: نادر لكنه ممكن، ويهدد القدرة الإنجابية مستقبلاً.

• مضاعفات التخدير: مثل ردود فعل تحسسية أو انخفاض ضغط الدم.

أما الإجهاض غير الآمن – وهو المنتشر في الدول التي تجرّمه – فيُعد سببًا رئيسيًا في وفيات الأمهات عالميًا.

الإجهاض في السياق الدولي

وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية:

• يُجرى سنويًا ما يُقدّر بـ 73 مليون عملية إجهاض.

• 45% من هذه الحالات تُعد غير آمنة.

• تُسجّل معظم الإجهاضات غير الآمنة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا.

تشير هذه الأرقام إلى أن تجريم الإجهاض لا يمنع حدوثه، بل يدفع النساء إلى سلوك طرق غير آمنة غالبًا ما تؤدي إلى الوفاة أو العقم.

الإجهاض في ضوء حقوق الإنسان

تُثار تساؤلات حول ما إذا كان الإجهاض المتعمد يمثل حقًا من حقوق المرأة في التحكم بجسدها أم أنه انتهاك لحق الجنين في الحياة. تُصنف الأمم المتحدة الإجهاض في إطار الرعاية الصحية الإنجابية، وتشدد على ضرورة توفير وسائل آمنة وشرعية له ضمن منظومات الصحة العامة، مع احترام الخصوصية الثقافية والدينية للدول.

ترى بعض المنظمات الحقوقية أن رفض تمكين المرأة من إنهاء حمل غير مرغوب فيه قد يُعد شكلًا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

دور التثقيف والتخطيط الأسري

تلعب برامج التثقيف الجنسي والتخطيط الأسري دورًا جوهريًا في الحد من الإجهاض المتعمد. كلما زاد الوعي باستخدام وسائل منع الحمل وتوفرت الخدمات الصحية الإنجابية الشاملة، انخفضت نسب الإجهاض. المبادئ الأساسية في هذا المجال تشمل:

• إتاحة وسائل منع الحمل الرخيصة والفعالة.

• تقديم مشورة نفسية وطبية قبل الزواج والحمل.

• رفع الوعي المجتمعي عن الصحة الجنسية والإنجابية.

• إشراك الرجال في مسؤولية الإنجاب ومنع الحمل.

الجدال الأخلاقي والفلسفي

ينقسم المفكرون والفلاسفة في نظرتهم إلى الإجهاض:

• المؤيدون للإجهاض يعتبرون أن للمرأة الحق المطلق في اتخاذ القرار المتعلق بجسدها، وأن الجنين لا يمتلك حقوقًا قانونية كاملة قبل الولادة.

• الرافضون للإجهاض يرون أن الحياة تبدأ منذ التخصيب، وأن الإجهاض يمثل قتلًا لكائن حي، بغض النظر عن الظروف.

يتعمق الجدل أكثر في حالات خاصة مثل الحمل الناتج عن اغتصاب، أو إذا كانت المرأة قاصرًا، أو في حالات تشوهات الأجنة.

تأثير الإجهاض على الصحة الإنجابية المستقبلية

رغم أن الإجهاض المتعمد عند تنفيذه وفق شروط طبية آمنة لا يؤثر بالضرورة على الخصوبة المستقبلية، إلا أن هناك احتمالات يجب أخذها بعين الاعتبار:

• التصاقات رحمية نتيجة للإجراءات الجراحية قد تعوق الحمل مستقبلاً.

• تغيرات في عنق الرحم تؤثر على إمكانية الحمل أو ثباته.

• الحمل خارج الرحم يزيد احتمال حدوثه بعد بعض أنواع الإجهاض.

لذلك توصي الهيئات الصحية العالمية بإجراء الفحوصات الدورية بعد الإجهاض، والمتابعة النفسية والبدنية، واستخدام وسائل منع الحمل الموثوقة لمنع تكرار التجربة.

الخلاصة

الإجهاض المتعمد يمثل إشكالية متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها العوامل الطبية، الدينية، الأخلاقية، والقانونية. التعامل مع هذا الموضوع يتطلب مقاربة شاملة، تراعي صحة المرأة الجسدية والنفسية، وتوفّر لها الرعاية اللازمة عند اتخاذ هذا القرار الصعب. تبقى الوقاية – عبر التوعية والتخطيط الأسري – هي السبيل الأهم للحد من حالات الحمل غير المرغوب فيه، وتقليل الحاجة للإجهاض.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية – https://www.who.int

2. الجمعية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد – https://www.acog.org